U3F1ZWV6ZTE2MjkyMjc4MjkxMjIzX0ZyZWUxMDI3ODU3Nzk1MzI4Ng==

بحث في فرضيات النشوء


نظرية التطور (النشوء والإرتقاء):


نظرية التطور في الحقيقة تنقسم إلى قسمين أو نظريتين منفصلتين تقريبا تفسران نشوء وارتقاء الحياة وتطورها على هذه الأرض ، فالقسم الأول أو النظرية الأولى هي في تفسير نشوء الحياة الأولى أو نشوء الحياة الأرضية من المادة غير الحية ، والقسم الثاني أو النظرية الثانية هي في تفسير تطور وارتقاء الحياة من تلك البذرة الأولى ، ولذا فمن الطبيعي أننا نعرض أولا للنشوء ثم نعرج على الإرتقاء.


أولا : نظرية النشوء ( البذرة الأولى ):


يعتبر علماء الأحياء أن في كل خلية حية يوجد سر الحياة المادية والذي بواسطته يحصل النسخ والنمو والتكاثر وهو الكروموسومات أو مواضع حفظ المعلومات ، والكروموسومات أو الحمض النووي -DNA يتكون من سلسلة من النوكليوتيدات وهي سلاسل غير متجانسة بها أربعة أنواع من النوكليوتيدات ( A-T-C-G)، وهذه الأنواع الأربعة تمثل أحرف اللغة الجينية حيث تكتب وتخزن بها المعلومات التي تنقل في عملية النسخ عند تضاعف الحمض النووي وبالتالي يمكن اعتبار ال DNA أنه العنصر الذي يمثل الحياة ، لأنه العنصر الذي يحمل المعلومات لنسخ نفسه وانتاج البروتينات وبالتالي يسبب التكاثر والنمو ، وبعض التمايز يحصل نتيجة امتزاج ال DNA للذكر والأنثى أو نتيجة الطفر الحاصل أثناء عملية النسخ بالتحديد أو الطفر نتيجة قصف اشعاعي ، وهناك حمض نووي آخر هو ال RNA يستخدم كوسيط لنقل المعلومات أثناء عملية نسخ ال DNA أو إنتاج البروتينات ، فالمعلومات التي في ال DNA يتم قراءتها بواسطة الRNA  وترجمتها إلى نسخة جديدة من DNA ليحصل التكاثر أو سلاسل بروتين تؤثر بشكل الخلية وسلوكها ليحصل النمو، فالذي يجعل خلايا الكبد تختلف عن خلايا الأمعاء هو الجينات التي نفذت كخريطة لبنائها ، وهذه المعلومات أو الجينات مكتوبة بصورة قانونية ولغوية دقيقة لتوصل المعنى إلى الRNA  فيحصل نسخ الDNA أو إنتاج سلاسل البروتينات ، فلدينا إذن مصانع وصناعة وفق خريطة قانونية لغوية وهي المعلومات أو الجينات.


وهناك أكثر من فرضية أو نظرية نشوء ، فمنها : نظرية أن هناك مجموعة نيازك تحمل أحماضا أمينية ضربت الأرض قبل مليارات السنين وتكون في ماء الأرض حساء من حوامض أمينية يسارية ومن ثم حصل أن تكوّن بروتين قادر على نسخ نفسه أو تكون RNA ، ومنها : نشوء مواد كيميائية في البداية تنسخ نفسها وهكذا حتى نصل للحياة أو الDNA.


بحث في فرضيات النشوء:


في الحقيقة لا توجد نظرية للنشوء مثبتة بأدلة علمية  إنما توجد نظريات أو فرضيات غير مثبتة.


فال DNA و الـ RNA الموجودة في الخلايا الحية والتي تعتبر ناسخات والبروتينات التي من الممكن أن تنسخ نفسها مكونة من أعداد كبيرة جداً من الوحدات أو الجزيئات بحيث لو أردنا فرض احتمالية تكونها أو تركبها مرة واحدة فقط بصورة صحيحة قابلة للنسخ صدفة فإننا سنحصل على رقم غير قابل للتحقق علمياً ضمن حدود الزمان التي نعرفها على هذه الأرض.


وحتى لو فرضنا أن بداية نشوء الحياة كانت بأبسط بروتين يوفر عملية النسخ الذاتي ولنقبل فرض أنه بسيط جداً ويتكون من سلسلة فيها 32 حامضاً أمينياً فقط، وبما أننا لدينا 20 نوعاً من الأحماض الأمينية لتكوين هذه السلسلة فسيكون لدينا عدد احتمالات هو: 4.294967296e+41 أي تقريباً 4× 1041 أي رقم 4 وأمامه 41 صفراً، وهذا رقم كبير جداً ويمثل نسبة احتمالية تحقق ضئيلة جداً.


وحقيقة هذا الأمر جعل د دوكنز في كتابة (صانع الساعات الأعمى) يتخبط في فروض غير واقعية في محاولة يائسة لتقليل عدد الأصفار مرة ولزيادتها في الجانب الآخر مرة أخرى، وهكذا يقوم معظم الملحدين بإزالة عشرات الأصفار هنا وإضافة عشرات أخرى هناك بصورة غير علمية وعشوائية وفروض خيالية لعلهم في النهاية يصلون إلى رقم يقولون عنه إنه رقم مقبول وقابل للتحقق في حدود الزمن المتاح على الأرض وهو مليار سنة تقريباً في أحسن الأحوال.


والآن، لنفرض أنّ المعجزة الأولى تحققت، وأن هناك أحماضاً أمينية تكونت على الأرض بظروف استثنائية مناسبة لنشوئها أو وصولها، وأنها وضعت في ظروف مناسبة بحيث أصبح لدينا على الأرض في كل ثانية وطوال مليار عام محاولة لنشوء بروتين قادر على النسخ الذاتي فسيكون عدد المحاولات المتاحة هي : (31449600000000000) أو لنقل تقريباً  3 ×1016 وعندما نطرح هذا الرقم من عدد المحاولات المطلوبة سنجد أننا لا زلنا بحاجة لـ 3.999999999999999999999999    7e41 محاولة تقريباً (1041 × 3.9) ليكون الأمر ممكناً. وكما نرى فإن محاولة بالثانية طوال مليار عام لم تؤثر بالرقم تقريباً، ولو أردنا حساب الزمن اللازم لتحقق الاحتمالية إذا كانت لدينا محاولة كل ثانية فستكون فترة زمنية هي تقريباً 4e41 ثانية (1041×4) أي تقريبا 1034 سنة أي رقم واحد وأمامه 34 صفراً وهو رقم كبير جداً يزيد عن عمر الأرض بل وحتى عمر الكون بكثير جداً، فعمر الأرض رقم أمامه فقط تسعة مراتب ويقدر بأنه 4.6 مليار سنة، وعمر الكون أمامه فقط عشرة مراتب ويقدر بأنه 13.7 مليار سنة.


ولو حسبنا بطريقة أخرى، أي حسبنا كم محاولة في الثانية الواحدة طيلة مليار عام تكفي ليكون الأمر قابلاً للتحقق ضمن حدود الاحتمالية فسيكون عدد المحاولات في الثانية الواحدة هو ناتج قسمة عدد المحاولات المطلوبة على الزمن المتاح أي مليار سنة: والنتيجة ستكون 12718762718762718762718762.718763 

أي تقريباً ( 1e25 (1025 أي أننا نحتاج إلى واحد وأمامه 25 صفراً محاولة في الثانية تقريباً أو عشرة مليون مليون مليون مليون محاولة في الثانية تقريباً طوال مليار عام ليكون الأمر ممكناً وهذا رقم خيالي.


فما بالك إذا عرفنا أن احتمالية وجود الأحماض الأمينية الكافية على الأرض هو احتمال ضئيل جداً أيضاً، وما بالك إذا عرفنا أن الأحماض الأمينية هي عبارة عن نوعين؛ أحماض أمينية يسارية وأحماض أمينية يمينية والبروتينات التي تدخل في تركيب الحياة تبنى من الأحماض الأمينية اليسارية فقط، وهذا يعني أن محاولاتنا السابقة للحصول على بروتينات تنفع فقط عندما تكون الأحماض الأمينية المتجمعة يسارية وهذا يعني أن احتمالية أن يأتي البروتين الذي نطلبه هي نصف مرفوع إلى عدد الأحماض الأمينية في ذلك البروتين، فمثلاً: إذا كان عدد تراكيب الأحماض الأمينية في البروتين المطلوب هي 50 فاحتمالية أن نحصل عليه هي نصف مرفوع للأس 50 وهذا احتمال ضئيل جداً، وباجتماع ضآلة احتمال حدوث هذه الخطوات المتوالية اللازمة لنشوء البروتين تنتهي تقريباً مسألة الإمكان وتصبح أمراً أشبه ما يكون بالمستحيل.


ولكن هناك من الملحدين من يعمل حسابات عكسية ويستخرج الأرقام المطلوبة في المقدمات ليحقق الإمكان في النتيجة، فالمشكلة الأولى وهي توفر مادة البناء أو الحوامض الأمينية مثلاً يحاولون اللجوء إلى بعض الفروض التي تطرح في الأبحاث لحلها مثل أن تكون ظروف الأرض والبرق والصواعق الكثيرة في أول نشوء الأرض أدت إلى تكونها أو هناك فرض خيالي آخر وهو أن الأرض كانت تقصف بنيازك محملة بالأحماض الأمينية قبل أربعة مليارات عام، ولما وجدوا أن نوع الأحماض الأمينية يجب أن يكون فقط يسارية فرض بعضهم فرضاً خيالياً آخر وهو أن هذه النيازك تعرضت لضوء نجم نيوتروني وهي في طريقها إلى الأرض وهكذا دواليك، فالأمر كله مبني على فروض خيالية لإثبات أن انتاج البروتين الناسخ لنفسه على الأرض قبل مليارات السنين كان أمراً طبيعياً جداً، ومع أنها كلها فروض خيالية وكل واحد منها قليل الاحتمال حتى التلاشي فما بالك بحدوثها جميعا متتالية؟! ولكن مع هذا يحلو لبعضهم أن يقول إنها معقولة ومقبولة.


فعند الملحدين معقول جداً أن عدداً كبيراً جداً من النيازك المحملة بكميات هائلة من الأحماض الأمينية اختارت كوكب الأرض بالتحديد والذي يمثل للكون حبة غبار في صحراء حتى لو كانت نسبة احتمال هذا الحدث قليلة إلى حد التلاشي!


ومعقول جداً أن هذه النيازك تعرضت وهي في طريقها إلينا لضوء نجم نيوتروني لكي تكون حوامضها الأمينية يسارية و.. و.. و.. و.. و.. وهكذا كل هذه الفروض والتي نسبة تحققها ضئيلة إلى حد التلاشي معقولة جداً، ولكن أن يكون وراء القانون الذي أنشأ البروتين الناسخ لنفسه أو الحمض النووي مقنِن، فهذا غير معقول عند الملحدين وأن يكون وراء الخريطة الجينية اللغوية متكلم أيضاً غير معقول عند الملحدين!


أعتقد أنّ ما تقدم كافٍ لينهي الأمر، فهل يوجد عاقل يعرف أن حدثاً ما نسبة احتمالية حدوثه هي قليلة إلى حد التلاشي، وعمر الكون كله لا يكفي لوقوعها ثم يذهب للقول إن حصوله خلال مليار أو مليار ونصف سنة التي سبقت وجود الحياة على الأرض هو أمر عادي، في نفس الوقت الذي يرفض فيه مناقشة أي احتمالية لأن يكون الحدث إعجازياً، ومن ثم يبحث عن أي قشة ليثبت بها فرضه، فعندما يجد دليلاً علمياً على أن بعض النيازك يمكن أن تكون قد ضربت الأرض في وقت ما يذهب بهذا الاحتمال بعيداً ليجعل هذه النيازك جاءت من عمق المجرة، وكانت عبارة عن صهاريج محملة بالأحماض الأمينية، وفقط أحماض أمينية لا تحقق لهم الغرض، إذن فهذه الصهاريج المليئة بالحوامض الأمينية مرت بنجم نيوتروني وهي في طريقها إلى الأرض فتسبب ضوؤه باستقطابها وهكذا تسبب في النهاية بتحويل حمولتها من خليط أحماض أمينية يمينية ويسارية إلى أحماض أمينية يسارية وهكذا تستمر الفروض الخيالية للخروج من مأزق الاحتمالية الخانق.


هناك بعض الفروض الأخرى لتكوّن الـ RNA أو الـ DNA مثل أن يفترض بعض الكيميائيين أو علماء الكيمياء الأحيائية أن البداية لم تكن بالبروتينات أو الحوامض النووية وإنما بمواد كيميائية غير حية كالبوليمرات أو جزيئات طين تشكلت بصورة معينة قابلة للنسخ:


«قد نقول إن الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسجين DNA قد أستولى في مرحلة لاحقة على آلات البقاء الخاصة بتلك المتضاعفات. وهذا يعني أن المتضاعفات الأصلية قد دمرت كليا ، وخصوصا أن لا أثر لها في آلات البقاء الحديثة. وفي السياق ، عرض آي. دجي. کیرنز-سمیت A.G. Cairns-Smith لفرضية مثيرة للاهتمام مفادها أن أسلافنا المتضاعفات الأولى لم تكون ربما جزيئات عضوية وإنما بلورات غير عضوية ، أو بمعنى آخر معادن أو قطع صغيرة من الصلصال »(1).


وهذه فروض غير واقعية وتبقى مجرد فروض ليست مبنية على معطيات علمية دقيقة والتعويل على ما يحصل في بعض التفاعلات الكيميائية التي فيها عملية ظاهرها نسخ بلورات هو مجرد اتكال على ظاهرة بعيدة عن الموضوع المبحوث. والحقيقة إن التفاعلات الكيميائية لا يوجد فيها شيء اسمه نسخ المعلومات وتوريثها، فضمن حدود العلوم التجريبية والنظرية هذه مجرد فروض إلى الآن لم تثبت بشيء يعتمد عليه علمياً، ولا فرق بينها وبين الأشباح الهائلة التي رتبت الحصى على الشاطئ بحسب قبيلة .د دوكنز البدائية (2) ، لذا فلا أرى داعياً لمناقشتها

وردها وهي أصلاً مجرد فروض لا ترقى إلى مستوى علمي يستحق المناقشة والرد عليه.


وعموماً، إذا صار الرأي الانتقال إلى المستوى ما دون الحيوي أي إلى مستوى التفاعلات الكيميائية فالأفضل عندها أن ينتقل الكلام مع الملحدين في إثبات أصول التفاعلات الكيميائية وفيزياء الجسيمات الذرية وما دونها والقوى الأربعة النووية الضعيفة والقوية والجاذبية والكهرومغناطيسية، أي أننا ما دمنا قد انتقلنا إلى القوى الذرية وما دون الذرية فالمفروض أن يكون نقاشنا في إثبات وجود إله في هذا المستوى أي ما دون الحيوي سواء كان الجزيئي أو الذري أو ما دون الذري؛ لأنه بحسب فرض أن هناك بوليمراً أو ما شابه كان قد بدأ ينسخ نفسه بانتظام ويتطور إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه تكون الحياة قد بدأت منه ولا يكون البروتين أو الخريطة الجينية هو بداية الحياة، وإذا كان الأمر كذلك فالأفضل أن يكون الكلام في أصل المادة وهذا سنناقشه في موضوع الانفجار العظيم ونثبت وجود الإله في هذا المستوى من البحث والمعرفة ، والذي يكفي لإثبات وجود الإله بغض النظر عن الحياة الجسمانية وتطورها وكونها جاءت بتدخل إله أم لا وأنها تطورت بصورة عشوائية أو لا عشوائية، هادفة أم غير هادفة.


نظرية أو فرضية أنّ الحياة جاءت جاهزة في قلب بعض النيازك أو الصخور بعد بضعة مئات ملايين السنين من تكون كوكب الأرض، وهناك تجارب بهذا الخصوص لمعرفة امكانية أن تنجو كائنات حية أو متضاعفات أولية من البرودة المتطرفة والحرارة المتطرفة والاصدام الشديد، وقد ثبت أن بعض الكائنات متعددة الخلايا يمكنها أن تعيش في حالة سبات بدون ماء وفي درجة برودة متطرفة جداً.


نظرية أو فرضية نشوء المتضاعفات الأولى في برك أطراف المياه والمحيطات والتي تعرضت للتجفيف والتدوير والمد والجزر الشديد الذي كان موجوداً في الماضي نتيجة قرب القمر من الأرض أكثر مما هو الآن، واحتمالية أن يكون بالاشتراك مع الشمس قد تسبب بتركيز الحوامض الأمينية في برك صغيرة مما سهل عملية إيجاد الحساء الأولي الملائم لنشوء المتضاعفات الأولى.


نظرية أو فرضية الظروف المتطرفة التي تفترض أن نشوء الحياة كان في ينابيع المياه الحارة أو المناطق شديدة الحمضية، وجاءت هذه الفرضية نتيجة اكتشاف بعض أنواع الأحياء في أعماق المحيطات يمكنها أن تمارس الحياة في ظروف درجات حرارة عالية وبعضها في درجات حمضية عالية، وبهذا فمن الممكن أنّ المتضاعفات الأولى بدأت في ظروف كهذه خصوصاً أنها ظروف سائدة في مئات الملايين الأولى من حياة الأرض.


حقيقة إن كل منصف يرى بوضوح أنّ الطرح في مسألة النشوء حتى الآن ليس طرحاً علمياً رصيناً مبنياً على حقائق ووقائع أبداً، بل هو بحث مبني على أساس وفرض أنه لا يوجد غير الطبيعة ولابد أن يفسر كل شيء ضمن حدود الطبيعة فقط  حتى وإن كان بسلسلة فروض خيالية متتالية يكاد يكون تحقق أحدها مفرداً شبه مستحيل فكيف بتحققها جميعاً متتالية، بل العقل يحكم أن هذه الاحتمالات القليلة حد التلاشي إذا تحققت جميعاً بهذا التتالي فإن تحققها يشير إلى حدوث معجزة تشير إلى أنّ هناك من أجرى الأمور بهذه الصورة لتصل إلى هذه النتيجة وهي وجود الحياة على الأرض.


ولأنه لا توجد نظرية علمية تفسر النشوء تفسيراً علمياً مقبولاً ومؤيداً بأدلة قاطعة حتى

الآن فقد وصل الأمر بدوكنز في كتابه "صانع الساعات الأعمى" إلى مناقشة احتمال حصول ما يشبه المعجزة كمسألة أن يضرب البرق شخصاً في اللحظة التي توقع أن يضربه فيها أو أن يضرب البرق الشخص نفسه ست مرات كما في كتاب غينس أو مناقشة أن ما يكون معجزاً خلال فترة قصيرة لا يكون معجزاً خلال فترة زمنية طويلة أي عند توفر الزمن الكافي، أي أنه افترض أن نشوء الخلية معجزة ولكنها معجزة نسبية مع الزمن وهذا الكلام يكفي لرده أن احتمالية مجيء الكائن الناسخ لنفسه هي شبه معدومة ضمن الحدود الزمنية التي نعرفها بل وحتى لا يؤيدها عدد الكواكب التي يحتمل أنها مناسبة لهذا الحدث لو أراد حساب الاحتمالية على مستوى الكون ككل، فلديه احتمالية النيازك المحملة بالحوامض الأمينية واحتمالية أن تضرب الأرض واحتمالية أن تكون الحوامض الأمينية يسارية واحتمالية نشوء حمض نووي أو بروتين ناسخ لنفسه، وهذه أمور تجعل الأمر يستحق بكل جدارة أن يوصف بأنه معجزة (3) أو خارج حدود الطبيعي أو الاعتيادي، ولهذا فحتى أشد المتمسكين بأن النشوء الأول للحياة الحالية حصل بصورة طبيعية مئة بالمئة يقولون إنه حصل مرة واحدة فقط ولم يتكرر مرتين وهذا اعتراف ضمني بأن النشوء هو عبارة عن معجزة أو على الأقل مسألة صعبة وبعيدة التحقق:


" ولا يمكن قط أن تكون الكائنات الحية على غير صلة قرابة بالكلية ، ذلك أنه يكاد يكون مؤكدا أن الحياة كما نعرفها قد نشأت فحسب مرة واحدة على الارض» (4).


النتيجة مما تقدم: إنه لا يوجد تفسير علمي منطقي مؤيد بأدلة أو حتى مقبول لدى العلماء حول مسألة نشوء الحياة.


فربما في نظرية الحساء يكون فرض المعجزة أو التدخل الغيبي لفرض توفر الحساء البدائي المناسب لنشوء الحياة ليس بأبعد من فرض توفر الحساء بالطريق الطبيعي ومن ثم تركب البروتين فيما بعد.


ويمكن أن نقول: إن الطرح سيكون منطقياً أكثر في حالة فرض المعجزة الإلهية - بعد أن نثبت وجود الإله - من فرض المتضاعفات البلورية أو متضاعفات الصلصال.


وإلا فلو قيل: إنها تشكلت وتضاعفت دون أي تدخل خارجي حتى أنتجت الحياة فهذا يعني أنها لابد أن تتضاعف مرات كثيرة جداً بعد ذلك التضاعف الأول وتستمر بإنتاج حياة جديدة أو على الأقل نوع من المتضاعفات الأولية كل مدة من الزمن حتى يومنا هذا مع توفر المواد الأولية، وبما أن هذا لم يحدث ولا يحدث الآن فهو إذن غير صحيح.


بل الأمر نفسه يسري على فرضية حساء الحوامض الأمينية فحتى لو كررنا إيجاد الحساء الأولي في المختبر اليوم، فمن غير المتوقع أن ينتج بروتيناً قابلاً لنسخ نفسه أو حامضاً ريبياً دون تدخلنا لأكثر من صنع الحساء الأولي، فيتوجب إذن فرض تدخل خارجي سحب المركبات الكيميائية أو البلورات أو جزيئات الصلصال أو الأحماض الأمينية إلى مركب قابل لنسخ نفسه والتضاعف وانتاج الحياة الأولى، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يكون هذا التدخل الذي أنتج الحياة هو تدخل غيبي إلهي خصوصاً بعد أن نثبت وجود الإله كما سيأتي؟!


إذن، مسألة النشوء غير مفسرة علمياً، وهي تمثل ثغرة لم يتمكن العلم والعلماء من ملئها رغم كل الإمكانات المختبرية المتاحة الآن لتوفير كل الظروف المناسبة لتجربة تحاكي ظروف أي فترة زمنية يتوقع علماء الأحياء أو الكيمياء الأحيائية نشوء الحياة فيها، كأن تكون قبل أربعة مليارات عام أو أقل.


فيما تقدم، ليس غرضي أن أرفض فرضية نشوء الحياة أو تركب البروتين الناسخ لنفسه بصورة ما فيما لو توفرت المادة والظروف والوقت، بل أعتقد كما ورد في كلام الأئمة (عليهم السلام) وكما يتوقع علماء الكون والأحياء أن الكون مليء بالكائنات الحية وأننا لسنا الوحيدين في هذا الكون، ولكن ما أردت بيانه هو أن النشوء معضلة لم يحلها العلم وقد عجز العلم عن إيجاد مخرج لتوفر مادة وظروف ملائمة لنشوء الحياة أو لنقل كما نعتقد تنفيذ الخريطة الجينية الأولى أو لنقل بذرة الخريطة الجينية من مواد كيميائية غير حية والتي تطورت حتى أنتجت هدفها وهو الإنسان والخريطة الجينية للإنسان.


النتيجة: لا توجد فرضية ذات قيمة علمية في تفسير قصة نشوء الحياة على الأرض بشكل منطقي مقبول دون فرض أمور صعبة التحقق علمياً، وبالتالي فهناك فرصة منطقية ومقبولة على الأقل حتى الآن لفرض تدخل الإله والجانب الغيبي ليفسر حدوثها في موازاة تلك الفروض صعبة - أو شبه مستحيلة - التحقق.


ولكن لنرى حتى مع الفرض الذي يتمسك بصحته الطرف المقابل - الملحد - وهو أن متضاعفات كيميائية غير عضوية أولى من البلورات أو الصلصال أنتجت البروتين أو أن الأرض كانت عبارة عن طبق حساء من الحوامض الأمينية اليسارية وأنّ عدد المحاولات كانت كافية - هكذا دون أن يكون هناك تفسير علمي منطقي قابل للتحقق لتوفر هذه المادة - وبعد كل هذا حصلنا على بروتيننا المطلوب المكون من الحوامض الأمينية اليسارية فقط، فهل لو حدث هذا ينفي الحقيقة التي يحاول .د دوكنز وأمثاله من الملحدين إغفالها وهي أن الخريطة الجينية مركبة ومعقدة وقانونية ولغوية ومنتجة لهدف كما سنبين وبالتالي دالة على مقنن ومتكلم فإذا رفضوا أنه هو أو وكيلاً عنه مقننها وأنه السبب الغيبي في ظهورها على هذه الأرض وأصروا على أنها ظهرت بالأسباب الطبيعية لا غير، فكيف سيلغون أو يغفلون دلالة انتاجها لهدف وقانونيتها ولغويتها - التي تسبب عملها - على الهادف الذي قننها وتكلم بها ؟!!!


هل يمكن أن نقول عن خريطة بناية أو جسر عندما تنفذ وتنجح وتعمل إنها قانونية ولغة هندسية وإن من كتبها مدرك وعندما نرى الخريطة الجينية منفذة وتعمل لا نقول نفس الشيء، هل لغتنا دالة على أننا ندرك المعاني ونقصدها ولغة الجينات لا تدل على أن من

وضعها أو تكلم بها يدرك ويقصد بها الوصول إلى معنى معين أو هدف؟!!!!


أعتقد أن أي عاقل سيقول إذا كانت لغتنا دالة على أننا متكلمون ونهدف الوصول إلى المعاني، فلغة الجينات دالة أنّ وراءها متكلماً هادفاً خصوصاً أنها وصلت إلى أهداف واضحة ومعروفة لنا الآن كالذكاء أو آلة البقاء الأفضل.


المصدر:

كتاب وهم الإلحاد للسيد أحمد الحسن ص 65_75.


(لتحميل كتاب وهم الإلحاد مجانا بصيغة pdf من هذا الرابط : https://almahdyoon.com/main/wp-content/uploads/2020/08/wahmilhad.pdf).


مواضيع مشابهة:

نظرية التطور لا تتعارض مع الدين.

نظرية التطور والقرآن.


1. المصدر (دوكنز، الجينة الأنانية): ص38.

2. (لو) ذرعت شاطئا مليئا بالحصى جيئة وذهابا ستلاحظ أن قطع الحصى ليست منظمة بطريقة عشوائية. فالقطع الاصغر تتجه بصورة نمطية لأن تتواجد في مناطق منفصلة تمتد على طول الشاطئ، والقطع الأكبر في مناطق أو خطوط مختلفة. فقطع الحصى يتم فرزها أو تنظيمها، أو انتخابها وقد تتعجب قبيلة تعيش قرب الشاطئ من هذا الدليل على الفرز أو التنظيم في العالم، وقد تنشئ أسطورة لتفسره، لعلها ترجعه إلى أشباح هائلة لها عقل مرتب وحس بالنظام صانع الساعات الأعمى - دوكنز ستتم مناقشة هذا الكلام فيما سيأتي من الكتاب.

3.مع العلم أن كل هذا لن ينتج خلية ذات نواة حقيقية مؤهلة للتطور والتنوع، بل غاية ما في الأمر سينتج بروتين ناسخ لنفسه، وفي أحسن الأحوال فلنقل يمكن أن يصل هذا البروتين عبر التطور الى خلية بكتريا حية والبكتريا تختلف عن خلايا بقية الكائنات الحية الحيوانية والنباتية ذات النواة الحقيقية؛ لأن الأحياء المعروفة علمياً تنقسم الى: بكتريا، وذوات نواة حقيقية والتي تحتوي خلايا مصغرة دقيقة، وتحول الحياة من البكتريا إلى الخلية ذات النواة الحقيقية التي تكون مؤهلة للتطور والتنوع مسألة معقدة أيضاً، واحتمالية وقوعها أيضاً ليست كبيرة، ويمكن أن ندخل في نفس متاهة الاحتمالية السابقة لو حسبناها، فنظرية مارجوليس تقول: إن الخلية ذات النواة الحقيقية كخلايانا هي عبارة عن ناتج اتحاد أنواع من البكتريا حيث إن في خلايانا مثلاً توجد الميتوكوندريا في النواة وهي لها الـ DNA الخاص بها والذي يختلف عن الـ DNA الرئيسي للخلية مما يعني أن هناك اتحاداً حصل مسبقاً، ولهذا يوجد أكثر من DNA في الخلية، والميتوكوندريا ينسخ نفسه أي أن هناك أكثر من آلة نسخ في الخلية ذات النواة الحقيقية، ولكن المتيوكوندريا عادة ينتقل من الأم فقط لأن البويضة فيها مجال وسعة لتنقله بعكس الحيامن التي تكون صغيرة وليس فيها مجال وسعة له، ولهذا فيمكن تتبع السلف الانثوي عن طريق الـ DNA الموجود في الميتوكوندريا كما يمكن تتبع السلف الذكري عن طريق الجين الجنسي y لأنه موجود في الحيامن والذكور فقط، وفي خلايا النبات ذات النواة الحقيقية توجد مادة أخرى تسمى الكلوروبلاست ولها أيضاً DNA خاص بها غير DNA الرئيسي.

4. المصدر (دوكنز - صانع الساعات الأعمى): ص 343.




تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة