قال الإمام علي في خطبة البيان التي ذكر فيها أحوال الناس في آخر الزمان :
إذا وقع الموت في الفقهاء، وضيعت أمة محمد المصطفى الصلاة، واتبعوا الشهوات، وقلت الأمانات وكثرت الخيانات، وشربوا القهوات، واستشعروا شتم الآباء والأمهات، ورفعت الصلاة من المساجد بالخصومات، وجعلوها مجالس الطعامات، وأكثروا من السيئات، وقللوا من الحسنات، وعوصرت السماوات، فحينئذ تكون السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كاليوم، واليوم كالساعة، ويكون المطر قيظاً، والولد غيضاً، ويكون أهل ذلك الزمان لهم وجوه جميلة، وضمائر ردية، من رآهم أعجبوه، ومن عاملهم ظلموه، وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين، فهم أمرّ من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأنجس من الكلب، وأروغ من الثعلب، وأطمع من الأشعب، وألزق من الجرب، لا يتناهون عن منكر فعلوه، إن حدثتهم كذبوك، وإن أمنتهم خانوك، وإن وليت عنهم اغتابوك، وإن كان لك مال حسدوك، وإن بخلت عنهم بغضوك، وإن وضعتهم شتموك، سماعون للكذب، أكالون للسحت، يستحلون الزنا، والخمر والمقالات، والطرب والغناء، والفقير بينهم ذليل حقير، والمؤمن ضعيف صغير، والعالم عندهم وضيع، والفاسق عندهم مكرم، والظالم عندهم معظم، والضعيف عندهم هالك، والقوي عندهم مالك. لا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، الغنى عندهم دولة، والأمانة مغنمة، والزكاة مغرمة، ويطيع الرجل زوجته، ويعصي والديه ويجفوهما، ويسعى في هلاك أخيه، وترفع أصوات الفجار، ويحبون الفساد والغناء والزنا، ويتعاملون بالسحت والربا، ويعار على العلماء، ويكثر ما بينهم سفك الدماء، وقضاتهم يقبلون الرشوة، وتتزوج الامرأة بالامرأة، وتزف كما تزف العروس إلى زوجها، وتظهر دولة الصبيان في كل مكان، ويستحل الفتيان المغاني وشرب الخمر، وتكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وتركب السروج الفروج، فتكون الامرأة مستولية على زوجها في جميع الأشياء.
وتحج الناس ثلاثة وجوه: الأغنياء للنزهة، والأوساط للتجارة، والفقراء للمسألة.
وتبطل الأحكام، وتحبط الإسلام، وتظهر دولة الأشرار، ويحل الظلم في جميع الأمصار، فعند ذلك يكذب التاجر في تجارته، والصايغ في صياغته، وصاحب كل صنعة في صناعته، فتقل المكاسب، وتضيق المطالب، وتختلف المذاهب، ويكثر الفساد، ويقل الرشاد، فعندها تسود الضمائر، ويحكم عليهم سلطان جائر، وكلامهم أمر من الصبر، وقلوبهم أنتن من الجيفة.
فإذا كان كذلك ماتت العلماء، وفسدت القلوب، وكثرت الذنوب، وتهجر المصاحف، وتخرب المساجد، وتطول الآمال، وتقل الأعمال، وتبنى الأسوار في البلدان، مخصوصة لوقع العظايم النازلات. فعندها لو صلى أحدهم يومه وليلته فلا يكتب له منها شيء، ولا تقبل صلاته، لأن نيته وهو قائم يصلي يفكر في نفسه كيف يظلم الناس، وكيف يحتال على المسلمين، ويطلبون الرياسة للتفاخر والمظالم، وتضيق على مساجدهم الأماكن، ويحكم فيهم المتالف، ويجور بعضهم على بعض، ويقتل بعضهم بعضاً عداوة وبغضاً.
ويفتخرون بشرب الخمور، ويضربون في المساجد العيدان والزمر، فلا ينكر عليهم أحد.
وأولاد العلوج يكونون في ذلك الزمان الأكابر، ويرعى القوم سفهاؤهم، ويملك المال من لا يملكه ولا كان له بأهل، لكع من أولاد اللكوع، وتضع الرؤساء رؤوساً لمن لا يستحقها، ويضيق الذرع، ويفسد الزرع، وتفشو البدع، وتظهر الفتن، كلامهم فحش، وعملهم وحش، وفعلهم خبث، وهم ظلمة غشمة، وكبراؤهم بخلة عدمة، وفقهاؤهم يفتون بما يشتهون، وقضاتهم بما لا يعلمون، يحكمون وأكثرهم بالزور يشهدون، من كان عنده درهم كان عندهم مرفوعاً، ومن علموا أنه مقل فهو عندهم موضوع، والفقير مهجور ومبغوض، والغني محبوب ومخصوص، ويكون الصالح فيها مدلول الشوارب، يكبرون قدر كل نمام كاذب. وينكس الله منهم الرؤوس، ويعمي منهم القلوب التي في الصدور. أكلهم سمان الطيور والطياهيج، ولبسهم الخز اليماني والحرير، يستحلون الربا والشبهات، ويتعارضون للشهادات، يراؤون بالأعمال، قصراء الآجال لا يمضي عندهم إلا من كان نماماً، يجعلون الحلال حراماً.
أفعالهم منكرات، وقلوبهم مختلفات، يتدارسون فيما بينهم بالباطل، ولا يتناهون عن منكر فعلوه، يخاف أخيارهم أشرارهم، يتوازرون في غير ذكر الله تعالى، يهتكون فيما بينهم بالمحارم، ولا يتعاطفون، بل يتدابرون. إن رأوا صالحاً ردوه، وإن رأوا نماماً [آثماً] استقبلوه، ومن أساءهم يعظموه.
وتكثر أولاد الزنا، والآباء فرحون بما يرون من أولادهم القبيح، فلا ينهونهم ولا يردونهم عنه، ويرى الرجل من زوجته القبيح فلا ينهاها ولا يردها عنه، ويأخذ ما تأتي به من كد فرجها، ومن مفسد خدرها، حتى لو نكحت طولاً وعرضاً لم تهمه، ولا يسمع ما قيل فيها من الكلام الرديء، فذاك هو الديوث الذي لا يقبل الله له قولاً ولا عدلاً ولا عذراً، فأكله حرام، ومنكحه حرام، ويصلى سعيراً في يوم القيام.
وفي ذلك يعلنون بشتم الآباء والأمهات، وتذل السادات، وتعلو الأنباط، ويكثر الاختباط، فما أقل الأخوة في الله تعالى.
وتقل الدراهم الحلال، وترجع الناس إلى أشر حال، فعندها تدور دول الشياطين، وتتواثب على أضعف المساكين وثوب الفهد إلى فريسته، ويشح الغني بما في يديه، ويبيع الفقير آخرته بدنياه، فيا ويل للفقير وما يحل به من الخسران، والذل والهوان، في ذلك الزمان المستضعف بأهله.
المصدر:
خطبة البيان للإمام علي (عليه السلام).
إرسال تعليق