{ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }.
الآيات تروي قصة وهي موعظة وبيان لحال من يواجهون الرسل أيضاً.
فالقصة هي: أن مجموعة من الناس لديهم بستان (جنة)، وأرادوا أن يحصدوا ثمرها ولا يدفعون زكاته ولا يدفعون منه شيئاً لفقير ومسكين ومحتاج، فأرسل الله عليها ما يبيد ثمرها ولا يبقي منه شيئاً، كما هو الحال الآن عندما تتجمد النباتات في الزراعة المغطاة بعض الأحيان في أيام الشتاء نتيجة انخفاض درجة الحرارة فلا يبقى لا شجر ولا ثمر إلا وتلف، أو كما يحصل عندما تهاجم حشرات كالجراد أو حيوانات كالجرذان بعض المزارع فتأكل شجرها أو ثمرها أو كليهما.
{لَيَصْرِمُنَّهَا}: أي يجنون ثمرها، والصرم هو القطع.
{فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}: أي كالأرض التي حصد زرعها وقطع ثمرها فلم يبقَ فيها ثمر للجني ليجنى.
{قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أي أعدلهم.
وهذه النتيجة التي وصلوا لها عذاب دنيوي أنزله الله بهم؛ لأنهم بخلوا بما جعله الله قوتاً لمحتاج في أموال خوّلهم الله إدارتها، والحقيقة أن العذاب الدنيوي لا ينزل عبثاً، فالله سبحانه وتعالى يعلم أنهم سينتفعون ويتعظون أو بعضهم بهذا العذاب ولهذا أنزله بهم، واتعاظهم واضح بعد نزول العذاب الدنيوي وهلاك أموالهم {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.
ففي الآيات بيان أن الزكاة نماء في الرزق، ومنع الزكاة ومنع النفقة على الفقير والمسكين واليتيم ربما كان سبباً لمحق الرزق.
وفيها بيان أن العذاب الدنيوي للناس ربما كان في المال والاقتصاد كإنذار لهم لعلهم يرجعون إلى الحق {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، بل وربما كان ينزل بصورة يمكن تأويلها بأنها ليست عذاب فيقولون عن العذاب ظاهرة طبيعية، أو أزمة اقتصادية، أو كوكب مر بالصدفة وأهلك الناس، أو وباء غريب لا يعرفونه من قبل جاء وأهلك الناس، أو.. أو .. فمن يريد أن يؤول العذاب بأنه ليس عذاباً لينكر الرسول الذي نزل العذاب بسبب تكذيبه لن يعدم حجة ليعثر بها، ولكن من يريدون الاتعاظ ومعرفة الحق سيقولون إنها عذاب وسينظرون فيما كسبت واكتسبت أيديهم من ظلم، سواء كان ظلم حجة من حجج الله أو كان مخالفة لما جاء به حجج الله من الإنفاق على الفقراء ودفع الزكاة {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}.
وإن كان ما تقدم كاف، ولكن لا بأس أن نسأل ماذا حصل لقريش ليضرب الله لهم هذا المثل؟ الحقيقة أنهم فقط أصابتهم ضائقة اقتصادية بسبب دعاء الرسول محمد (ص) بأن تصيبهم سني كسني يوسف (ع)، فاعتبرها الله آية منه سبحانه ولكن هل أن قريشاً قديماً وحديثاً يتعظون بالآيات وينتفعون بها ؟ أكيد أن هناك من اتعظ ومن يتعظ الآن، ولكن كم هم المعتبرون والمتعظون، كم هم الذين عندما يقول لهم - حكيم منهم أو عاقل فيهم - أَوْسَطُهُمْ {لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} يقولون: {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}.
المصدر:
الإمام أحمد الحسن كتاب الجواب المنير عبر الأثيرالجزء الرابع.
إرسال تعليق